(( البداية))
((ظلام الليل يخيم على بقعة صحراوية، على الجانب الأيمن تجلس على ركبتيها امرأة متشحة بالسواد، وعلى اليسار فتحة تراب كأنه قبر يدخله شخص يجرف التراب بمعول محولا توسيعها، وفوقه على الأرض شخص أخر ينظر الى الكفن الذي بداخله شخص ميت وهو في وسط المكان...))
المرأة + ها هي ( ترسم بأصابعها في الرمال ) ها هي ملامحه تنبت من ارض تبتلعه بعد، كأنها صورة له تمنتها، رسمتها، لحين أن أصبح هو الصورة، لاشك أن الله تصورنا قبل الخلق، وأبدع بذلك كثيرا، ولكن الصورة شيء والأصل تخر..هل تعتبر الصورة أصل أن جاءت أولا؟!، كلمني ..( التراب ) هل كنت هكذا، هل كنا هكذا عند مقارنتها بما رسم الله لنا من صور.. أم أن الصورة لا يجب أن تطابق أصلها، أم أن الأصل لا يجب أن يطابق صورته.. أم أن أم أم كلمني ..( تبكي ) لا ..
الرجل الأول + ( الذي يحفر ) لا نقل للدموع لا.. حين لا يبقى غيرها حقيقة تخرج بالنور من بئر ظلام، ( يتوقف ) لا نقل لا.. ( يمسح عرقه ويسلم المعول للآخر الذي ينزل ليحفر وكان الدور له) ولا نقلها للعرق الذي يرينا على بشرتنا قوانين الحياة بكل ما فيها من ثغرات .ز مسامات تزدح بالملح الذي يتبقى بعد جفاف العرق، وكأنه يبغي ترميمها، كأنه يقول لا، بلا رادع الكسل.
المرأة + ملحن ثغره في قوانين الحياة، لا تحاول..
الرجل الأول + لقد بدأت فعلا ولو أتي تأخرت وكم يندم المرء على شيء لم يستعجله، ويقال أن في العجلة الندامة، بالعجب من كل ما يقال، أنضمن نحن لأنفسنا عواقب عدم المبادرة بالشيء، هل هنالك من يجرا على الإعلان بان الإنسان نتيجة..
المرأة + لا تبدأ بلغوك هنا..
الرجل الأول + وهو السبب دوما.. أن بادر أو لم يبادر، يبكي المظلوم لبليته ليلا ويطاطع الرأس نهارا وينوح بان الظلم هو السبب والظالم يقهقه نهارا وفي ليله الحالك يدعو الغيب ومسميات الغفران وأبواب الرحمة أن يحسب مظلوم .. وأنت اعلم الناس بذلك..
المرأة + اتجرا يا ..
الرجل الأول + اخرسي ( يهم بضربها)....
الرجل الثاني + أ .... ( يصدر صوتا كالخرسان ويلوح لهما كأنه يحاول منع صدامهما )
المرأة + ارايت .. حتى أخوك ممنوع الكلام هذا، لا يوافقك على ما تلمح علي، هل ستستمر أم ستقف بينك وبين الظلم شعرة من مقدار احترامك لحرمة الميت ، لأنني لا أحسبك تملك أكثر منها ..
الرجل الأول + تشهدين على أخا مجنونا .. من غيره يشهد لك وهو أول سيفنم بعدما أجرمت بحق الميت الذي تستجدين من اجله حرمة وتدافعين عنها..
الرجل الثاني + أ .. ( يصدر صوتا وكأنه لا يوافقه)
الرجل الأول + اخرس أنت وأكمل الحفر .. أم تريدنا أن نكون عرضا مجانيا لجمهور الصباح، دع ليلكم المألوف يستر علينا لآخر مرة كما كان ستر عليكم دوما..(تبكي المرأة) لا.. لا..( يحفر الرجل الثاني) ليس من طبعي يا بنت العم يا زوجة أخي الذي ادفنه كالمجذوب تحت جنح الظلام متخفيا من واشي طامع ونذل متطلع، ليس من طبعي أن استسلم للدموع فحتى التمساح يبكي، وهذا الزمان العجيب زمان محى ما قبله وحطم ما قد ينمو بعده، زمان الأنذال الذين لم يجدوا ملجأ سوى الوطنية ليعريهم، ولكن أخي .. أخي أنا الذي اعرفه..
المرأة + لم تعد تعرفه، ولا أنا .. بل هو الذي لم يحاول معرفة نفسه في وقت الالصموة العسير تتلبسه سكاكين خفية تقطع لحمه إلى قطع صغيرة أكاد اجزم باني أراها تتساقط منه وهو يرتعش طالبا الرحمة مني، ولم املك شيئا، ولم اعلم شيئا عن ذاك الهدوء الغريب الذي يتملكه وتلك الابتسامة البريئة التي ترتسم على وجهه يلحظه .. أن لم اعرف أخاك يوما ... عشرون عاما ولم اعرف أخاك بعد كل الليالي التي قضيتها أتنفس رائحته واسي عليه بعد فزعاته العديدة من كل كابوس وحلم يقظة...
الرجل الأول + لماذا توقفت .....( للثاني)
الرجل الثاني + لا يجيب ( قد جلس على حافة الحفرة يرتاح)..
المرأة + لقد احترمته لأقصى حد تتصوره يا ابن عمي ولكنه لم يفعل...
الرجل الأول + وماذا تضنين سأصدق فيما تدعين ما قد فعل، أو ليس هذا الذي وقف في وجه كل من حال بينه وبين زواجه بك وكانت معاداة أهلي له لتجبر من بمكانو ليتخلى وما فعل أليس هذا..
المرأة + كان شيئا أخر
الرجل الأول + بل أنت من أمسين غروبا لشمس شبابه قبل الأوان، لم أكن لأصدق أن هذا الذي فعل كل ما عجز عنه اقرأنه لأجلك في زكمن تعزف فيه الشباب على وتر الغروبية واللامسئولية، سيستمر منك الشتم فوق جثته، وكأنك تخطبين بصوت النشاز بأنه اخط بصمك إليه...
المرأة + بل أنا من ضمته بعد ما فر من طاحونة كادت تسحق ما بقي له من عظام، أم نسيت الحرب، إلا نسكت، وأنت إلا تحفر وتخلصنا، ها تها أناسا حفر وادفن ما هو يلي...( تأخذ المعول وتحفر) ما ليس لغيري من حق فيه، من أخد خذته ودموعه تلسع صدري كما تلسع ضربات حذامة ظهري، وما قلت لا وما قلت كفى بل بكيت وحدي لأنه ليس على المجنون حرج، ليس على المجنون حرج ...( تبكي وتسقط منهارة)
الرجل الأول + ( يحاول ضربها) جاحدة ...( يمنعه الرجل الثاني) ابتعد يا أحمق لكان الأولى أن تدفن أنت بدلا عنه يا ناكر الجميل ( يصفع الثاني وجه الأول) ها.. أم تفعل لطمعك فيها بعد ما خلت لك الساحة يا نذل ....( يحمل الرجل الثاني المعول ويتوجه ليضرب الرجل الأول بسرعة ولكن صرخة المرأة توقفهما واحدهما يواجه الثاني بصمت والمعول مرفوع بوجه الأول.
المرأة + لا .... لا، لا يقتل الأخ أخاه .. ( تأخذ المعول من الرجل الثاني)
الرجل الأول + أتفعل..( يبكي الثاني ويرتمي في حضن الأول الذي يحتضنه بصمت ) لننتهي من هذا الأمر ونذهب لعل لعنة ما حصل لآخانا تنتهي هنا وتسكن قبره إلى الأبد ...( يأخذ الأول المعول ويحفر يجلس الثاني منهارا على جثة أخيه، تأتي وتجلس قرب رأسه. المرأة.)
المرأة + ( تداعب شعره) كان يتكلم كثيرا جدا ، ليلا ونهارا، حتى انه لم يجد في اللسان اكتفاء لسيله، فاستعان بدخنة القلم مبحرا في الأوراق، كل الأوراق حتى علب السكائر التي كان ينفثها، كأنه ينفث روحه، رويدا رويدا..( كان الثاني يغفو على كلامها ) أرد الخلاص منها تدريجيا، حاولت أن اقرأ ما يكتب يوما ولكني لم افهم شيئا، ولم يتوقف عن الكتابة ولم يتوقف عن النبض قلبه فاستمر ينفث الدخان ... دخان لحين أن خنقه ما اختفى خلف الدخان .. لماذا قتلته ؟ ( يفزع الثاني واقفا) لا تحاول، فلقد كنت اشعر بك جيدا، وأنت تختلف الجنون ساعة كان بنهال علي ضربا في ثوراته العديدة، لكي تبعده عني إليك، ولم يلاحظ هو توافق هيجانك مع ضربه لي، هل فعلتها لأجلي حقا! ، هل تحسبني كنت اتالم رغم إنني ابكي أمامك .. أنا كم اتالم لأجلي بل لأنه لم يجد شجاعة ليضرب زمن يكره فضرب من يحبه ولم يجد أجدر مني، ولم أجد دافعا لتجفيف عرقه بعد ضربي سوى إني كنت أبادله الحب .. ولن أجد بعد الآن من يضمد جراحي من حزامه كما كان يفعل بعد أن يهدا، يبكي وتختلط دموعه بدمائي وكأنها البلسم الشافي ...لماذا يا طفله المدلل؟...
الرجل الثاني + أ..... ( يتهستر ويمسك يداها ويشد عليها) أ...أأ..
المرأة + أنا !..
الرجل الأول + ( فجأة ) خيوط الفجر بدأت تحاك ( يتباعد الاثنان المرأة والثاني ) قدرك أن رافقتك صرخات أمي ليلا وفارقتك حين ولدت فجرا زها أنت بنفس الليل وذات الفجر ستقبر، لتجاور أمي وبني جلدتك جميعا مالك والفجر يا أخي .( تدمع عيناه)
المرأة + وماله والليل يا ابن عمي، ليل الذي قضى عليه لا الفجر، المبادئ التي حفظها وغناها لرفاقه في المعتقلات ليلا..،.. وما يعارضها تلك التي كتبها على جدران ابني المد
ينة ليلا ..،.. رفاقه الذين واجههم بأعدائهم ووقف الطرفان مندهشان منتظران أن يبدر ما فعل ولما لم يجدوا همسة اقتتلوا فيما بينهم بينما صورهم بكاميرته ووزع الصور على الناس وهو يضحك... يضحك..
الرجل الأول + عدت لادعاء الفعلية بالجنون، هل تريدني أن اصدق أن أستاذا في الحياة، رجل بلا عقل .. أنا الذي سأسحب كذلك أن تركت كل الدروس التي وهبني إياها جرعات جرعات كأنه كان يرضعني الحياة باجمعها .. ما كان والدي المتوفي ليفعل ما فعل أخي الحبيب معي .. ما كنت كتب التاريخ لتعرف لي الإنسان كما عرفه لي بكل سهولة.. الإنسان كائن خزين فهو يقضي حياته يفكر فيما لم يفعله في الماضي ولا يندم عليه وفيما سيفعله في المستقبل ولا يقدم عليه.. وبينما هو كذلك... اضاع الحضر الذي لم يعش فيه مع انه فيه..
المرأة + استنادك أضاع الحياة من بين يديه بأسلوبه ذاك، فلو كان انتصر للماضي وضياءه أو للمستقبل وظلماته لما ذهب هباء فنحن العرب نؤمن بكون أحدى اثنتين متاحة ... الأولى أو الآخرة أما محولته لجمع الاثنتين فهباء ما بعده هباء.... وعبثا قتل..أخ.. مات قصدي...
الرجل الأول + قتل!.. ( صياح ديك يسمعه الجميع) ها قد خالفك لسانك المتهستر خلف قضبان ضميرك المعول وأفصح عن سرائرك الحالكة ( يشدها من يدها) ...( وهو خائف من أن يصيب المرأة) .
المرأة + اتركني ..( الثني يحمل المعول محاولا ضرب الأول ولكن حركة الأول تمنع ذلك )
الرجل الأول + كيف بك تفعلين هذا بمن قطر لك الدم مسطرا به كلمات حب ما كنت تعيها يوما ...كيف .. يا فاجرة..
المرأة + اخرس ..( تصفعه) اتجرا ...( الثاني يلاحظ الفجر فيعود للحفر ) اتجرا ( الثاني يترك الحفرة ويخرج كمانا من كيس على الأرض ويعزف به) أن كان هنالك من قاتل في هذا المكان .. فهو .. ( يتوقف الثاني عن العزف وينظر إليها ) فهو أخوك .. الذي علمه العزف حسب هواه ..( يعود الثاني للعزف ) ولم يخبره بان الألحان لا تطيع صاحبها حين تتحرر من وجدانه ( ينقطع وتد من الكمان ولكنه يكمل العزف ) وتركه يعزف ما يريد ليسمع من لا يريد السماع ( ينقطع وتر أخر ولكنه يكمل العزف ) وحين أمروه بالتوقف عن عزف تلك الألحان التي تروق لهم .. قالها ببساطة قول أستاذك في الحياة لها مع نفسه لا لهم.
الرجل الأول + لا!...
الرجل الثاني + ( ينقطع وتر أخر فيتوقف عن العزف)
المرأة + فقطعوا لسانه ( يرمي الثاني كمانه بعنف في الحفرة وينزوي باكيا بنشيح بالكاد يسمح) وبنفس البساطة